يظل «كتاب أبلة نظيرة» أيقونة في عالم الطبخ، بعد أن اكتسب شهرته في أوائل أربعينيات القرن الماضي وما زال يحافظ عليها، فتجد البعض يتندر بذكره أحيانا ككتاب للمرأة التي لا تعرف شيئا عن الطبخ، والبعض يذكره عندما يتعمق أحدهم في ذكر تفاصيل الطبخة وكأنه يقرأ من كتاب أبلة نظيرة، الذي لم يكن أبدا اسمه أبله نظيرة بل كان (أصول الطهي: النظري والعملي)، تأليف نظيرة نيقولا وبهية عثمان، التي لم تحظي بنصيبها من الشهرة، رغم انتشار نسخ عديدة من الكتاب تحمل اسم السيدتان معا منذ الإصدار الأول للكتاب عام 1941.
وتحولت نظيرة نيقولا الشهيرة باسم «أبلة نظيرة» إلى أيقونة في المطبخ المصري بداية من النصف الثاني من القرن العشرين، وأصبح كتاب الطهي الشهير المعروف باسم «كتاب أبلة نظيرة» هدية متوارثة لكل عروس مصرية، حتى ذاع سيطه وأصبح «إيفيه كوميديا»، بل يعد أشهر «إفيهات» مسرحية «المتزوجون».
اقرأ أيضا| 8 حيل تجعلكم نجوما في المطبخ
«المطبخ الكبير تعمه الفوضى سريعا.. لا تدخلي المطبخ بالقبقاب أبدا.. المطبخ القذر يعتبر خزيا وعارا.. أدوات المرأة الأساسية إناء ونار.. الوجبة الرئيسية تتكون من 6 أصناف».. كل هذه النصائح وأكثر من بين ما ذكرته أبلة نظيرة في كتابها (أصول الطهي: النظري والعملي)، والذي أصبح مرجعا أساسيا لكل ربة منزل في ذلك الوقت لتعلم مهارات وفنون الطهي في 800 صفحة تقريبا.
نُشر كتاب (أصول الطهي: النظري والعملي) لأول مرة عام 1941، ليكون أول موسوعة عربية في الطبخ والتدبير المنزلي، لكنه سرعان ما حقق ناجحا ساحقا واشتهر باسم «كتاب أبلة نظيرة» وأصبح موجودا في كل البيوت المصرية والعربية ليكون مرجعا للعديد من ربات البيوت حتى وقتنا الحالي، حيث قدم مزيجا من أصول المطبخ المصري والمطبخ الأوروبي.
اقرأ أيضا| دليلك الكامل لتحضير المربى في البيت زي الجاهزة
التحقت أبلة نظيرة بكلية التدبير المنزلي عام 1926، ثم سافرت إلى إنجلترا ضمن بعثة مصرية متكونة من 14 فتاة للدراسة في جامعة جلوستر لمدة 3 سنوات وتعلمت فنون الطهي وشغل الإبرة، وعند عودتها عملت في مدرسة النية للبنات كمدرسة لمادة الثقافة النسوية والتي تحول اسمها فيما بعد إلى «التدبير المنزلي»، واحتل الطهي مساحة كبيرة في حياة أبلة نظيرة، وكانت تبذل قصاري جهادها لتعليم الفتيات فنون الطهي، وتدرجت في المناصب حتى أصبحت مفتشة في وزارة التربية والتعليم.
وبعودتها من لندن في ثلاثينيات القرن الماضي جمعتها علاقة بالسيدة بهية عثمان، والتي تخرجت في كلية «بردج هوس» بالعاصمة البريطانية، وشغلت وظيفة المفتشة العامة بوزارة المعارف أيضًا.
فاز كتاب (أصول الطهي: النظري والعملي) الذي ألفته أبلة نظيرة بالشراكة مع بهية عثمان، في مسابقة أعلنت عنها وزارة التربية والتعليم في الأربعينيات من القرن الماضي على مستوى المدارس تشترك فيها مدرسات التدبير المنزلي لتأليف كتاب في الطهي تعتمده الوزارة كمنهج دراسي للفتيات.
اقرأ أيضا| أخطاء في الطبخ نرتكبها دون أن نلاحظ.. أهمها عدم تذوق الطعام
ووصل كتاب أبلة نظيرة إلى شهرة واسعة بين البيوت المصرية والعربية أيضا، وحقق نجاحا ساحقا وتم طباعته عشرات المرات، وبمرور الوقت أصبح “إيفيه كوميدي”، وذكره الفنان الراحل سمير غانم بطريقة ساخرة في مسرحيته الشهيرة «المتزوجون»، ووصف صفحة الملوخية بـ«صفحة الوفيات» الأمر الذي أدى إلى شعور أبلة نظيرة بحزن شديد.
ووفقا لما ذكره الكاتب عمر طاهر، فإن كتاب أبلة نظيرة اهتم بكل ما يتعلق بفنون الطهي ومهاراته بجانب التدبير المنزلي والنصائح الخاصة بطرق الطهي وشكل المطبخ والأدوات المستخدمة في الطهي، بجانب العديد من الوصفات المصرية والغربية التي لا حصر لها والتي قدمها بطريقة بسيطة.
كتاب أبلة نظيرة شمل العديد من الإرشادات الهامة لكل زوجة حديثة، ومنها: «كل طعام مطبوخ لا بد أن تكون نكهة المادة الأساسية به ظاهرة، مهما كانت إمكانياتك لا بد أن تكون ألوان الطعام على المائدة متباينة، متعة العين جزء من متعة الطعام، أهم شرط من شروط نجاح الصلصة أن يكون لونها مطابق تماما للون المادة الأساسية فيها».
اقرأ أيضا| دليلك الكامل لإتيكيت تناول الطعام
«مهارة ربة البيت لا تتجلي فقط في الطهي ولكن تتجلي أكثر في مهارات إعادة طهي ما تبقي من بواقي الطبخ السابق، أدوات المرأة الأساسية إناء ونار، فتخلي عن التعقيد في أدوات الطبخ وإن كان ثمة شيء أهم من الإناء والنار في المطبخ فهو ساعة الحائط».
وعقب ذلك، قدمت نظيرة نيقولا فقرة ثابتة في الراديو، بالتعاون مع الإذاعية صفية المهندس، والتي طلبت أن تكون معها في فقرة ثابتة مع اقترابها من المعاش، ومن التقديم الإذاعي إلى الكتابة، رسالة دورية تحتويها مجلة «حواء»، من نظيرة بالإضافة إلى وصفاتها الشهية، كل تلك الأبواب فتحت لها مجالا أوسع لتأليف مزيد من الأجزاء للكتاب الأشهر في عالم الطبخ «أبلة نظيرة».
انتشر الكتاب بشدة، وأصبح تجاريا أكثر منه كتابا تعليميا للفتيات في المدارس، فتوقفت وزارة المعارف عن تدريسه للطالبات، ووصل عدد طبعاته إلى 12 نسخة، تعدلها أبلة نظيرة باستمرار، فقد استخدمت في البداية على سبيل المثال مكيال «الرطل»، وهو المستخدم في مصر وإنجلترا آنذاك، ليتغير بعد ذلك إلى «الجرامات»، وهكذا كانت تدخل المكونات الجديدة التي تلائم السفرات المختلفة.